الأحد، سبتمبر 13، 2009

الشيخ محمد بن موسى العامري لصحيفة السياسية : الحياة السعيدة أساسها روح التسامح والعفو بين الناس

البيضاء نيوز_ (السياسية) - حوار: عبد الله طالب _
يقف روح التسامح والعفو بين الناس في جانب مهم من أساسيات الحياة
السعيدة، ويتخلص المجتمع من سجن الكراهية والحقد والضغائن في الدعوة
لإحياء خلق الإسلام الذي بعث به النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم من جاء
متتما للأخلاق.
ولأهمية التسامح التقت "السياسية" فضيلة الشيخ العلامة محمد بن موسى
العامري، مدير عام مركز الدعوة العلمي بصنعاء، وطرحت عليه عددا من
الأسئلة التي جاد بالإجابة عليها مرحبا بـ"السياسية".
*هناك أدلة عن التسامح مقتطفة من الكتاب والسنة، تكرم يا شيخ بذكرها؟
- أولا: أتقدم بالشكر الجزيل بعد شكر الله تعالى لصحيفة "السياسية"
والقائمين عليها على إتاحة هذه الفرصة وترتيب هذا اللقاء الذي نرجو من
الله سبحانه وتعالى أن يتقبله من الجميع.
ثانيا: التسامح في لغة العرب يعني السهولة المنافية للصعوبة، واليسر
المنافي للضيق والشدة، والإسلام بجملة أحكامه إنما جاء لوضع الإصر
والأغلال التي كانت على من سبقنا، والرسول تتلخص رسالته عليه الصلاة
والسلام في كونه رحمة للعالمين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}
[الأنبياء: 107] وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب
إلى الله؟ فقال: "الحنيفية السمحة" (رواه أحمد والطبراني).
ومن تسامح هذه الشريعة أنها لا تكلف العباد ما لا يطيقون من الأعمال {وما
جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78 ] {يريد الله بكم اليسر ولا يريد
بكم العسر} [البقرة: 185] فالأحكام في الإسلام كلها مبنية على التسامح
والتيسير.
ومن النصوص المستفيضة التي تدعو إلى التسامح ما يتعلق منها بالتعامل مع
الناس، كقوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن}
[فصلت: 34 ] وكقوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}
[الأعراف: 199 ] وكقوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}
[الفرقان:63 ] وقوله: {فاصفح عنهم وقل سلام} [الزخرف: 89 ] وقوله: {قل
للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله} [الجاثية: 14].
إن الحياة السعيدة لا يمكن أن تتصور بدون روح التسامح والعفو بين الناس
الذي تلتئم به الجروح، ويتحرر الناس به من سجن الكراهية والحقد والضغائن،
ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التسامح عندما
أتم الله له النصر يوم فتح مكة فقال لأعدائه الذين آذوه وأصحابه وأخرجوهم
من ديارهم وقاتلوهم وسفكوا دمائهم عندما سألوه: ماذا أنت صانع بنا؟ فقال
لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" (سيرة ابن هشام).
ويحكي ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى نبيا من الأنبياء
ضربه قومه فآذوه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم
لا يعلمون" (متفق عليه).
وهكذا أقام المسلمون هذا المبدأ الأصيل وهو التسامح والرفق وحسن المعاملة
في البلدان التي فتحوها فكان ذلك سببا في إسلامهم طواعية لما رأوا من سمو
أخلاق حامليه ورفعة أخلاقهم.
ما هي العوامل المساعدة للتسامح بين أفراد المجتمع؟
هناك عوامل شتى يمكن أن تسهم إلى حد كبير في إشاعة هذا الخلق بين الناس ومن ذلك:
1 ـ نشر وتوعية الناس بفضل هذا الخلق وما جاء في فضل العفو والصفح من
النصوص الشرعية كقوله سبحانه {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} [آل
عمران: 134] وكقوله صلى الله عليه وسلم: "وما زاد الله عبدا بعفو إلا
عزا" (رواه مسلم).
2ـ تعريف الناس بسيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ونشر شمائله
المتعلقة بمعاملته مع الناس موافقيه ومخالفيه وبيان ما كان عليه الرسول
صلى الله عليه وسلم في ذلك إذ هو القدوة الحسنة للناس جميعا.
3ـ تعريف الناس كذلك بسيرة الصحابة والتابعين لهم بإحسان وإبراز جوانب
العفو والتسامح في معاملتهم وفي ذلك ثروة كبيرة من الموروث العلمي عنهم.
4ـ أهمية التعليم ومكافحة الجهل والأمية التي تزرع الأنانية وحب الذات
وتزرع روح العصبية والانتقام ويمكن أن تلعب مناهج التعليم دورا كبيرا في
ذلك.
5- وسائل الإعلام المختلفة وأثرها في تنمية هذا المعنى بصور شتى ومتعددة.
6ـ أئمة المساجد وخطباؤهم وما يمكن أن يكون له من التأثير إذا تناول
الخطباء ذلك بشكل جيد ومتميز.
* ما هو الدور الذي يقع على عاتق العلماء للقيام بالتوعية بشأن أهمية التسامح؟
- العلماء هم ورثة الأنبياء وهم القدوة وإليهم ترد الأمور كما قال تعالى:
{ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}
[النساء: 83].
وهم أصحاب الكلمة المسموعة، فعليهم تقع المسؤولية العظمى في ذلك، خصوصا
إذا مكن لهم أن يخاطبوا الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وقبل ذلك
على العلماء أن يكونوا هم قدوة في أنفسهم وأن يتحلوا بروح التسامح فيما
بينهم في تعاملهم مع المسائل المختلف فيها.
فهناك مسائل يختلف العلماء فيها قديما وحديثا فما كان من ذلك مما يتعلق
بأصول الدين ومحكمات الشريعة فالواجب رد ذلك إلى الكتاب والسنة والالتزام
بالإجماع الصحيح وعدم الخروج عنه، وما كان من المسائل الاجتهادية التي
تختلف فيها الأنظار ويسوغ فيها الخلاف فالواجب هو ألا يشنع أحد على
مخالفه أو يشهر به أو ينال منه بسبب ذلك لأن الخلاف من هذا القبيل سائغ
ورحمة وله ثماره في تنمية ملكة الاجتهاد وإحياء روح التجديد في الفكر
والمعرفة.
ويمكن للعلماء كذلك أن يقوموا بأدوار طيبة في المجتمع إضافة إلى نشر
الوعي والمعرفة بن الناس من الوساطات والشفاعات التي تبعث في الأمة معاني
الفضيلة والتسامح بين أفراد المجتمع ولم الشمل وتوحيد الكلمة وفض
النزاعات وغير ذلك.
* حدثنا عن المعاني الجليلة للتسامح في الإسلام ومرتبتها وفضل التسامح
خاصة في شهر رمضان؟
- التسامح حاجة إنسانية ملحة في كل عصر وفي عصرنا هذا بالذات لما نشهده
اليوم من بروز العصبيات والجاهليات والنعرات التي تهدد المجتمع وتزعزع
بنيانه وتزرع فيه روح التمرد والعصبيات وإحياء الفتن وإشاعة الفوضى
والإسلام بريء من كل ذلك فهو دين الاعتصام والوحدة {واعتصموا بحبل الله
جميعا ولا تفرقوا} [آل عمران: 103] وهو دين الألفة والرحمة والحب
والسكينة.
وقد شرعت في الإسلام أحكام كثيرة لتؤدي تلك المعاني السامية، فأمهات
العبادات إذا تأملنا فيها من الصلاة والزكاة والحج والصوم كلها تؤدي إلى
الألفة والرحمة والتكافل الاجتماعي وكلها عبادات من شأنها أن تبث في
المجتمع روح التسامح والسمو الأخلاقي والألفة بين المؤمنين ومن ذلك
الصيام الذي يعتبر مدرسة روحية إيمانية يتعلم الإنسان فيها الكثير من
معاني الخير والشفقة والرحمة وتلمس هموم الجائعين على الدوام، إذ الصوم
لم يشرع إلى لتحقيق تقوى الله {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من
قبلكم لعلكم تتقون ){

0 التعليقات: