من قرية معلا في حادث مروري مؤسف هذه الليله ومعهم رجل رابع من رداع
كانوا معنا في وجبة الغداء في عرس أحد أقاربي هذا اليوم وجاءنا خبر
وفاتهم بعد صلاة العشاء فتحول العرس إلى مأتم وألغيت أهازيج الشرح وطبول
الرقص حزنا عليهم عند سماعي لخبر موتهم أصابني الذهول فقد حدثت إثنين
منهم بعد صلاة الظهر وأحدهم وهو الشاب عبدالله محمد علي السوادي يعمل
بأمن السوادية وجالسته أيام عديده في مدينة البيضاء شابا عمره أقل من
عشرين عاما بسنوات بشوش الوجه مرح الطباع يملك براءة الطفوله وثقة الرجال
لم تدر عليه السنة منذ تخرجه من إحدى دفعات الإنتشار الأمني بالنجدة
بصنعاء ومع إنذهالي في سرد شريط ذكرياتي معه وآخرها محادثة أخوية بيني
وبينه ومع أبن عمه الذي توفي معه بعد ساعات من لقاءي بهما غمرتني الدهشة
وأصابني الذهول وأنا أراجع حديثي معهما ولا ندرك بأنه بعد ساعات قليلة
سيذهبوا الى العالم الآخر من دون سابق إنذار كما قال تعالى : وما تدري
نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت _صدق الله العظيم العالم
بمواقيت آجآلنا ونهاية رحلتنا في هذه الحياة _حاولت أن أستشف شيئا من
محادثتي معهم علني أجد في طيات الكلام رسالة منهما تدل على الرحيل القادم
فلم أجد غير أني استانست من جملة ذكروها عن رغبتهم في أداء صلاة الظهر
فأخبرتهم أنا صلينا وأن عليهم الذهاب لأداء الصلاة بعد عتابي لعبدالله
بضرورة تدخلهم كأمن في ضبط من يتلاعبوا بالكهرباء بالمديرية فرد علي رد
الواثق من إجابته بأنها مسئولية المجالس المحلية ! أما ثالثهم فلا أعرفه
إلا في مناسبات بسيطة شابا نوراني الوجه شعره منسدل على كتفية لمحته عن
بعد ظهر اليوم وكانت ملامح الحزن الصامت بادية على وجهة وهو يحمل سلاحه
على ظهره ويمشي بين جموع ضيوف عرس الظهيرة ومأتم المساء ! وكأنها علامات
الرحيل وفي غمرة الإنذهال الذي حاولت إخراجه من روحي الداخلية بالكتابه
هنا قدر ما أستطيع أسأل روحي متى سيحين دوري في الرحيل عن هذا العالم؟
وأجد صوتا من عمق الوجدان يشجعني على عدم التخوف من الرحيل ففي ذلك
الرحيل رحيل الى جوار رب العالمين خالق هذه الروح العظيمة التي تسكن بين
جوارحنا وتحرك أعضاءنا الجسدية وبها نستخدم وسائل الإتصال اللفظية
والتأملية والتفكير عند الصمت هذه الروح التي تصعد للسماء لأنها المعنية
بالحساب والعقاب أما الجسد فهو تابع يتألم من تألم الروح والنفس ويسعد من
سعادتهما _إذا الرحيل لا بد منه شئنا ذلك أم أبينا وكما قال تعالى :
وماجعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت
ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون_ومادام أن الإنقطاع الزمني
لحياة كل شخص منا شيئا محتوم فما هو الحل! الذي يبعدنا من قلق الموت
وكراهيته وهو حق لاجدال فيه _الحل هو في طاعة من أوجدنا في هذا الكون
وخلقنا بمواصفات خاصة في أزمان محددة ولأجل محدد ! إننا بطاعتنا لجبار
السموات والأرض وإمتثالنا لأوامره وخوفنا منه وجعل حياتنا هدفا لطاعته
ومرضاته عندها لن نخشى الرحيل من هذه الأرض لأننا وبكل بساطة إن عشنا
فنحن نعيش فوق أرضه سبحانه وتعالى وإن متنا فأرواحنا راحلة الى جوار
بارئها ومصورها فله الدنيا وله الآخرة وعندها لاخوف من الرحيل قال تعالى
: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت
وأنا أول المسلمين ) وقوله تعالى(ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك
راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) وهذه تدل على حل لغز الحياة
والإطمئنان بالرحيل بكل سرور ومحبه _فليرحم الله موتانا وليرحمنا إذا
صرنا الى ماصاروا إليه وإنا لله وإنا إليه راجعون